ألقى السفير بتركيا السيد مراد عجابي محاضرة في معهد التفكير الاستراتيجي بأنقرة بعنوان : “الجزائر الجديدة في أعقاب الاستفتاء على مراجعة الدستور”. خلال العرض، قدم السفير لمحة موجزة عن التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العميقة التي تم تكريسها من خلال الدستور الجديد، و ذلك غداة الحراك الشعبي التاريخي الذي أطلقه الجزائريون في فبراير/شباط من العام الماضي.
ونشرت صفحة سفارة الجزائر بانقرا نص المحاضرة مترجمة كاملة باللغة العربية بعد ان القى السفير عجابي هذه الكلمة باللغة التركية التي يتقنها الرجل علاوةعلى لغات اخرى يتقنها الديبلوماسي الجزائري.
وفيما يلي كلمة السفير الجزائري كاملة تنشرها جريدة الزمان في قسم الراي
“: بادئ ذي بدء ، أود أن أعبر عن خالص شكري لرئيس المعهد ولكل من ساهم في تنظيم هذا اللقاء لإتاحة الفرصة لنا لتقديم هذا العرض الذي يحمل عنوان:”الجزائر الجديدة في أعقاب إستفتاء 01 نوفمبر 2020 حول تعديل الدستور” يعد الإستفتاء الدستوري في الفاتح من نوفمبر 2020 لحظة تاريخية بالنسبة للجزائر، حيث يعتبر إيذانًا بمرور البلاد إلى مرحلة جديدة. لقد عبر الشعب الجزائري عن رأيه حول هذه التعديلات المهمة المقترحة لمراجعة دستور البلاد التي تضمنت تغييرات مهمة على الصعيد السياسي وكذا على صعيد حماية الحريات والحقوق الاجتماعية والاقتصادية ومشاركة المجتمع المدني في الحياة العامة.وبالحديث عن هذه التعديلات ، قامت السلطات العليا للبلاد، عبر رسائل و تصريحات، بتحديد الخطوط العريضة لهذه القفزة النوعية نحو مستقبل أفضل في إطار جزائر جديدة ، جزائر دولة القانون والديمقراطية والفصل بين السلطات واحترام الحقوق والحريات الفردية والجماعية.وكان رئيس الجمهورية السيد “عبد المجيد تبون” قد أشار في إحدى رسائله إلى أن مراجعة الدستور “حدث وطني هام وحاسم في مسيرة بناء جزائر جديدة” ، موضحا أن هذه العملية ولدت مع “الحراك الشعبي المبارك” في 22 فيفري 2019 والمطالب بالحقوق والحريات.من جهته ، أشار الوزير الأول السيد “عبد العزيز جراد” إلى أن التعديل الدستوري يمثل “مصالحة الجزائر مع نفسها ومع تاريخها” وأنه يأتي “لاستكمال عملية بناء الدولة الوطنية”.بدوره أكد رئيس مجلس الأمة بالنيابة السيد “صلاح قوجيل” في تصريح له أن إقرار التعديل الدستوري يشكل “ولادة فعلية للجمهورية الجديدة التي يتطلع إليها الشعب الجزائري” و التي ستتميز بأخلقة الحياة العامة والإنصاف بين جميع المواطنين.بهذه التعديلات تدخل الجزائر عهدا جديدا يتسم بتعزيز حماية الحقوق والحريات ، والفصل بين السلطات ، والتداول الديمقراطي السلمي على السلطة ، والمشاركة الفاعلة للمجتمع المدني في الحياة العامة وفي عملية صنع القرار بالنسبة للقضايا الأساسية ، بالإضافة إلى تعزيز حقوق الأحزاب السياسية والمعارضة البرلمانية.كما نصت التعديلات على اقتصار مدة رئاسة الجمهورية على عهدتين (02) فقط ؛ سواء كانتا متتاليتين أو منفصلتين، على أن تكون هذه المادة من بين المواد غير القابلة للتعديل مستقبلا.بالإضافة إلى ذلك، فإن مبدأ التداول على السلطة مكرس باعتبار أن رئيس الجمهورية ملزم بتعيين رئيس حكومة من الأغلبية البرلمانية التي تفرزها الإنتخابات.كما تم تعزيز سلطات المجلس الشعبي الوطني، أي الغرفة السفلى للبرلمان، حيث سيكون باستطاعته التصويت على اقتراح مساءلة الحكومة بل وحتى إمكانية إسقاطها. كما سيكون للبرلمان أيضا إمكانية رفض المراسيم التي يتخذها رئيس الجمهورية خلال فترات ما بين الدورات البرلمانية. كما أنه لا يمكن المصادقة على بعض المعاهدات والإتفاقيات من قبل رئيس الجمهورية إلا بعد الموافقة الصريحة عليها من قبل غرفتي البرلمان.من خلال التعديلات المقترحة، ستكون جزائر ما بعد الإستفتاء أيضا بلدا يكرس حقوق الإنسان تماشيا مع ما يشير اليه النص المعدل الجديد صراحةً بخصوص احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 و المعاهدات التي صادقت عليها الجزائر، حيث أصبحت هذه الأخيرة أعلى من القوانين الجزائرية والتي يلزم القاضي بمراعاتها أولاً.كما سيتبوأ المجتمع المدني مكانة هامة في المشهد السياسي الوطني. وسيُدعى إلى لعب دور أكثر أهمية من خلال مشاركته في إدارة الشؤون العامة وفي عملية صنع القرار بشأن العديد من القضايا، حيث سيتم تيسير إنشاء الجمعيات عن طريق إعلان بسيط على أن لا تحل إلا بقرار من العدالة.كما ستمنح حرية أكبر للصحافة المكتوبة وستتاح امكانية تأسيس الصحف ونشر المطبوعات من الآن فصاعدًا من خلال مجرد تقديم وثيقة إعلان بذلك. كما لا يمكن أيضا حظر هذه الصحف والمطبوعات إلا بقرار من العدالة.أما بالنسبة للأحزاب السياسية، فستجد نفسها في مناخ أفضل لممارسة أنشطتها بحكم أنه لم يعد مسموحًا بممارسات بيروقراطية أو مانعة ضدها. كما ستتمتع بحقوق واسعة وحرية أكبر للإضطلاع بمهامها، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي.في الوقت نفسه، يعطي النص الجديد للدستور مكانة كبيرة لموضوع حماية الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمواطن وخاصة الفئات الهشة من المجتمع مثل النساء و الأطفال و كبار السن ، من خلال حفظ كرامتهم وحمايتهم من إساءة استخدام السلطة وضمانات أكبر لحياة كريمة عبر تكريس الحق في الحصول على التعليم و الرعاية الصحية المجانية في المؤسسات العامة وكذا الحق في العمل والسكن.في المجال الإقتصادي ، يكفل النص المعدل حرية التجارة والاستثمار وممارسة الأعمال من خلال:- تشجيع بناء اقتصاد متنوع يبرز كل الإمكانات الطبيعية والبشرية والعلمية للبلاد.- حماية الإقتصاد الوطني من أي شكل من أشكال الفساد والإختلاس و الإتجار غير المشروع والتعسف أو الإستيلاء و المصادرة غير المشروعة و تهريب رؤوس الأموال.تتوفر الجزائر بالفعل على فرص استثمارية كبيرة بحكم توفر الموارد البشرية والطبيعية الهائلة والعمالة المؤهلة والطاقة بتكلفة منخفضة. كما أنها أكبر دولة في إفريقيا والبحر المتوسط والعالم العربي وعاشر أكبر دولة في العالم من حيث المساحة.بفضل دخول بلادنا هذه الحقبة الجديدة، يمكن لتركيا والجزائر اغتنام هذه الفرصة التاريخية لبناء شراكة متينة ونموذجية حدد أسسها رئيسا البلدين خلال الزيارة الأخيرة للسيد الرئيس “رجب طيب أردوغان” للجزائر شهر جانفي الماضي حيث تقرر بهذه المناسبة إنشاء “مجلس أعلى للتعاون” وعقد الدورة القادمة للجنة المشتركة للتعاون الإقتصادي والعلمي والتقني في أسرع وقت ممكن. كما ستكون هذه الدورة، المزمع عقدها قريبًا في الجزائر العاصمة، فرصة لاتخاذ إجراءات وإقامة مشاريع مشتركة ووضع اللمسات الأخيرة على الإتفاقات التي يجري حاليا التفاوض بشأنها في العديد من المجالات. كما ستكون فرصة لتوطيد تعاوننا الثنائي الذي شهد تجسيد العديد من المشاريع الهامة خلال السنوات الأخيرة.كما تحرص الجزائر على العودة بقوة إلى الساحة الدولية والرمي بكل ثقلها من أجل المساهمة في إيجاد حلول سلمية للنزاعات والخلافات لاسيما في محيطها الجغرافي. كما أنها مستعدة للمشاركة بفعالية أكبر، بموجب التعديلات الدستورية الجديدة، في جهود الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية في مجال حفظ السلام.وفي الختام ، أود أن أوجز هذا العرض بالقول إن الجزائر الجديدة ستكون جزائر المؤسسات الديمقراطية والحقوق والحريات والفصل بين السلطات ، ومنع أي سوء استخدام للسلطة، إضافة إلى بلد يضطلع بدور دبلوماسي أكبر على الصعيد الدولي.شكرا لكم على حسن انتباهكم وإصغائكم. “