لفيروز من قلبي سلام، في عيد ميلادك أقدم لك الورود والكلمات الصادقة، يا أيقونة العالم كم أحبك، أيتها المجدلية، أحب كل شيء فيك، أحب عيناك المتلألتين كموج البحر في ظل القمر، أحب شعرك الذهبي المنسدل على كتفيك كسنابل القمح المشعة تحت ضوء الشمس، أحب وقفتك البهية الملكية على المسرح بشموخ وكبرياء، أحب امتداد جيدك حين يتسامق مع اللحن، أحبك حينما يبرز الشريان الجانبي في عنقك وأنت تصدحين بصوتك العذب على العالي، أحب رعشة جسدك حين ينتفض مع الكلمة النابعة من روحك، أحب يديك حين ترتفعان في انسجام مع الموسيقى عندما يشتد الوقع، أحبك عندما تزمّين شفتيك بعد نهاية كل مقطع غنائي، وأحبك حينما تفرجين عنهما بابتسامة خجولة وأنت تحيين الرهبان في معبدك عند نهاية الأغنية، أحب الوريد النافر بنعومة بالغة ورفق رهيب على جبينك حينما تسترسلين وتذهبين بعيدا، أحب عقدة جبينك اللجين حينما ترمقين العالم بنظراتك الحزينة، أحب صوتك، ومن لا يحبه؟ أحب كلماتك أحب ألحانك أحب عزفك، نعم أنت كل شيء، أنت الصوت والكلمة والموسيقى واللحن.
أحببت أرض لبنان وأنا طفلة بسببك، ورأيت فيها أرض الحب والخصب والجمال والأحلام.
وأحببت اللهجة اللبنانية والشعب اللبناني وتمنيت بسببك لو ولدت في لبنان، ورأيت فيه الشموخ والعزة والكبرياء والكرم والإبداع، وأحببت كل شيء في لبنان، وأحببت شغف الشعب اللبناني بالحرية والحياة.
أحببت كل ما يمت إليك بصلة، عشقت الأخوين الرحباني وخاصة عاصي، وعشقت زياد وهالي وريما وليال أولادك وبناتك.
ولأنك تشبثت بالأرض والوطن ولم تغادري لبنان إبان الحرب الأهلية التي امتدت من 1975 إلى 1990، فحملت نفسي وجئت إليك عام 1986، لكي أصافحك وأقول لك نحن معكم وإننا أيضا نحب لبنان ونكره الحرب ونتوق للسلام مثلك، وكانت الشوارع جرداء ولبنان ليس كما كان، كل الفنادق والبيوت لا ماء ولا كهرباء، وطرقت باب بيتك في لبنان ووقفت أمامه نصف ساعة عل الجنة تفتح أبوابها لي.
يا رفيقتي منذ السابعة من عمري، عشتِ معي في طفولتي، وحملت أحلامي ونزقي في صباي وشبابي، وشاركتني همومي وأفراحي في كل لحظة من حياتي، فإن كانت الغصة كاتمة على قلبي أسمع صوتك فتخرج الآهة سلام، وأن كانت الفرحة تطرق أبواب عمري وما أندرها، أسمع صوتك فتخرج البسمة ضياء.
أحببت كل شيء فيك ومنك وعنك، أعرف بأنني لست وحدي العاشقة لك، الملايين مثلي يلهجون باسمك ويرددون كلماتك كل صباح ومساء، لكني لم يمر يوما واحدا في حياتي لم أسمع فيه صوتك يمس أعطاف قلبي.
في طفولتي رافقتني أغنياتك (تك تك يا أم سليمان، وطيري يا طيارة، وبكتب اسمك يا حبيبي ع الحور العتيق)، وتمنيت زيارة لبنان من أجل أن أرى شجر الحور.
وفي صباي رافقتني أغنيات الحنين إلى فلسطين، وغلفني الحزن حينما سمعت أغنيات: (أذكر يوما، واحترف الحزن والانتظار)، وطرق نافذتي الأمل بالسلام على فلسطين عن طريق (جسر العودة ويا جسرا خشبيا)، وتغلغل اليقين بالعودة في قلبي عند سماع أغنيات (سنرجع يوما، ويافا)، وصولا إلى (مريت بالشوارع، شوارع القدس العتيقة)، وصرت ألهج بالرغبة الهاجسة للصلاة في زهرة المدائن، يا قدس يا مدينة السلام أصلي، وسلامي لكم يا أهل الأرض المحتلة يا منزرعين في منازلكم، قلبي معكم وسلامي لكم.
تشربت الغضب والثورة من أغنية (سيف فليقرع)، وهزت خلايا فؤادي كلمات أغنيتك (أنا لا أنساك فلسطين ويشد يشد بي البعد، أنا في أفياؤك نسرين أنا زهر اللوز أنا الورد).. نعم أنت يا فيروز الورد والريحان والياسمين.
رافقت فؤادي أغنية (تتمرجح بقلبك، قلك أنا بحبك، قطف نجوم وقطف أزرعهن بدربك)، وداعبت قلبي أوتار (لاعب الريشة)، وسكنت روحي (رجعت في المساء كالقمر المهاجر).
تجذّر حبي وعشقي لكل قطعة من الوطن العربي، عشقتُ الشام حينما سمعتك تصدحين: (سائليني يا شام، وشام ياذا السيف لم يغب، وقرأت مجدك، ونسمت من صوب سوريا الجنوب، ويا شام عاد الصيف، يا مال الشام، وفتاة سوريا).
وعشقت مصر أكثر حينما سمعت (شط اسكندرية، ومصر عادت شمسك الذهب).
وحين صدحت أغنية (العراق) ذبت شوقا وحبا في العراق.
وبالطبع عشرات الأغنيات التي تمجد لبنان، من (لبنان الأخضر، إلى بحبك يالبنان).
تَباركْ تراب كل الأقطار العربية التي وطأت قدميكِ فيها، من البحرين إلى الإمارات إلى قطر إلى العراق إلى الكويت إلى الأردن إلى تونس والجزائر والمغرب، وكنت ألهث خلفك، ألاحقك من بعلبك إلى الكويت إلى مصر إلى بيت الدين.
وتهللتْ كل العواصم والمدن الغربية بحضوركِ البهي وسماع صوتك الملائكي الشجي، من امستردام إلى باريس إلى أثينا إلى جنيف إلى المكسيك والبرازيل والأرجنتين ونيويورك واستراليا وكندا.
عبرتِ كل الحدود وبلغتِ قمة القمم، بزيارتك الخالدة إلى مدينة القدس عام 1964 حين صدحت بالتراتيل المُقدسة في قدس الأقداس. وظل جمالك يتألق أكثر وأكثر في الشام ولبنان.
ياسيدتي يا مليكتي يا أيها الجليلة المبجلة، لستُ وحدي من يحبك، العالم كله يعشقك، الأرض السماء البحار الأنهار الغابات الأشجار السفوح والجبال، الكائنات كلها تحبك، والكون كله يرنو إليك، لأن الله يحبك.
في عيد ميلادك المجيد، ندعو لك من أقصى القلب بعمر مديد وصحة وافرة وحياة هنيئة يرفرف عليها الحب والسلام، أيتها الأيقونة المبجلة.
د. أنيسة فخرو / كاتبة بحرينية