للسوق الشعبى سحر لا يقاوم ومذاق فريد ومتعة تتجدد كل حين. بالرغم من أنى لم أدرك أن هناك
سوق شعبى سوى من ابن الخالة القادم من سويسرا فى عطلة شتوية. تسللت إليه وقد ارتديت الخشن
من الملابس التى تقاوم الالتحام ومعمعة الزحام فالسوق يحاصر ضريح زعيم مصر الخالد (سعد
باشا زغلول) فكانت زيارتى للسوق تجلب الراحة للنفس فى حضور ذكرى بطل جليل مهاب
لم يقنع سوى بالاستقلال التام أو الموت الزؤام !
ازدحمت الأرصفة بالسلع فلا منفذ لك سوى صراط تسلكه النساء وموظفو الحكومة والأطفال
ومرتادى مترو الأنفاق إلى جانب شاحنات النقل وعربات البضائع. فعليك أن تخطو بحذر فلا
تتخبط فى عربات اليوسفى والبرتقال أو تسقط بين جنبات التمر وعناقيد العنب وأصابع الموز أرتال.
يممت نحو الجانب الشرقى حيث معارض الفواكه الطازجة والخضروات اليانعة فانتقيت منها مالذ
وطاب ثم عرجت على مجمع البحرين وملتقى الأسماك سعيا وراء الكابوريا أو (الجبجب) وفقا
لتوصيف أهل البحرين من (قلالى وسماهيج والحد وعراد) وقد اشتهروا بعشق ثمار البحار وفواكه الأنهار.
توجهت إلى (أم حودة) وقد عرضت الجمبرى المثلج والقاروص المبرد والبلطى النيلى والبورى
البردويلى. حزنت لغياب (الجبجب) الذى أسلقه مع الكرفس الطازج والبصل الأحمر وكؤوس القرع
الأخضر.. لكن ما باليد حيلة. وهى وجبة يهتز لها عرش هارون الرشيد ذو الرأى السديد!
اشارت (أم حودة) بفخر إلى أسماك المكرونه لكنها ابتسمت بغموض حين استعرضت شرائح القاروص
وهو سمك يدعى بالهامور فى بلاد الخليج العربى لا يناله سوى كل مقدام جسور. استسلمت لقضاء
الرب ودعوتها أن تقتنص لى 500 جرام من شرائح الهامور وتطلعت أفتش عن بشائر الجرجير
وعجائب الليمون البنزهير.
تغلبت على آلامى لغياب الجباجب العجاب لكنى قنعت من الغنيمة بالإياب. ثقلت بضاعتى بين برتقال
طازج وثمار يوسفى مزجاه وحبات تفاح منتقاه. جاهدت بصعوبة كى لا أصطدم بشاحنة نقل أو
صبى يعدو أو امرأة تغزو منصات لحمة الرأس والكوارع البقرى التى تلهب الحواس إذا مزجت
بحبات المستكة وفصوص الحبهان فصارت أشهى من خدود وردشان!
أخيرا بلغت شارع (خيرت) وهو من علية القوم فى عصر الملكية السعيد ولو قام من قبره لأزال
سوق الثلاثاء بقبضة من حديد. ثقلت على مئونة الطعام فلمحت صبيا يقود (توكتوك) وسط معمعة
الزحام… كيف أصل إليه فى خضم الأفندية والعوام؟ لا أدرى كيف ناديته (تشيكو .. تشيكو)
التفت الصبى يفتش عن مصدر الصوت العجيب فأشرت إليه كفاك سعيا توقف يا حبيب.
عجبت لأنى انتقيت إسما فرعونيا عتيق وانتابتى الحيرة لأن الصبى أدرك أنى أعنيه فتجنب
السابلة وصخب الطريق… لقد ارتد كفرعون صغير فى عصور غابرة .. فيا لك من ساحرة
يا حاضرة القاهرة.!
- عجبك اسم شيكو؟
- طبعا
- اسمك ايه محمد؟
- لأ محمووود
- خلاص …. تبقى محمود شيكو
- لأ … احمد شيكو
- ربنا يكرمك وتعمل شريط زى شيبه
- تقصد ايه ياباشا؟
- آه لو لعبت يا زهر واتبدلت الأحوال وركبت أول موجة فى سكة …
ضحك شيكو حتى اصطدم بسيارة نقل تسد الطريق فسقطت بضاعتى وصرخت كغريق.
- اشمعنى حمو وبيكا يعملوا مهرجانات ؟
- شايف كده؟
- مبرووك يا شيكو !!!
د. يحي عبد القادر / كاتب مصري