لم أكن أعلم عندما شرعت فى قراءة بحكم الزمالة لرواية (سبعة وجوه للقمر) للصديق يحيى عبد القادر حسن ، أننى سأجد بعضا من نفسى بين صفحات تلك الرواية التى تقرأ فى ساعات قليلة فيمتعك ويشدك إلى عالم بطل الرواية (ساهر) وصديقاته. قضى (ساهر) ألف يوم فى سجن القلعة وكثيرا ما كان يـتأمل فى القمر فيجد فيه تصديقا للأسطورة التى تمنح القمر سبعة وجوه ، فيتحرر السجين دون مغادرة القيد ويرحل بخياله من وجه إلى وجه من وجوه القمر.
يغادر (ساهر) القلعة يوم تبدأ الرواية بعد أن قضى عقوبة أثر قضية فساد مالى تورط فيها نتيجة ثقته المبالغة فى صديق أوحى له بحيلة مالية سرعان ما فشلت فهجره الأصدقاء وأودع سجن القلعة. يسعى (ساهر) لاسترداد زوجته (منال) التى طلقته بعد مدة من محنته ، فهى ملاكه المفقود الذى يشغل باله وطفلته (كرز) وهما أقل الشخصيات حضورا فى الرواية من حيث الصفحات وأكثرهما حضورا فى عقل بطل الرواية. وبينما هو يسعى لإرجاع زوجته لا يتردد فى الإرتباط بعائدة مرأة اللذة والشؤم التى سئمت الحياة مع زوجها رجل الأعمال الذى لم يتردد فى أن يغرق (ساهر) الذى كان على علاقة به قبل دخول السجن.
وتحاول (عائدة) إقناع (ساهر) بمساعدتها على التخلص من زوجها ليثأر لنفسه ويختلى بعشيقته.لا يكتفى (ساهر) بالذهاب والإياب بين هذين الوجهين المرأة الملاك المفقود والعشيقة التى تمنحه جسدها الملتهب فإذا به من صفحة إلى صفحة يحاط بشبكة عنكبوت من المغامرات التى لا تهدأ والتى يخوض بعضها فى فراش المتعة ولكن أغلبها لا يتجاوز عقله المتهلف على الحياة يبحث فيها عن أوجهها السبعة مثلما كان يفعل ذلك مع القمر فى الأسر.
فهو لا يتردد فى أخذ ما يتاح له من مغامرات حقيقية أو وهمية فى الوقت الممكن دون عناء ، مثل ملاطفات (ماريان) صاحبة الشقة التى اكتراها عند خروجه من السجن ، فهى تجيد فن الحياة وتحذق صياغة ديكور المودة : الموسيقى والإضاءة والشموع فتنطلق المغامرة فى مخيلة (ساهر) .. فيستمتع بحضورها وتسكن قلبه دون أن يلمس جسدها و يهيج عاطفتها. ويقابل (ساهر) صديقة الصبا ناهد الأخت والعاشقة التى اقنعتها محاضرات الداعية عمرو خالد بلبس الحجاب والامتناع عن تقبيلها مثلما كانت تفعل من قبل التحجب وكأن لبس الحجاب رمى على الحياة غشاوة تذنيب وجه جديد لمصر يكتشفه بعد عزلة السجن. ولكن تلميذة عمرو خالد تبقى وفية لهذا الأخ العشيق الذى لم تسمح لها ظروف الحياة بالارتباط به فتصر على لقاءه وتدعوه لحفل زفافها ، وكأنها عاجزة عن قطع علاقة فيها من العشق قدر ما فيها من الأخوة الصادقة.
لا تهدأ مخلية (ساهر) فى أيامه الأولى من مغادرته السجن على نسج المغامرات حتى مع (لارا) المضيفة الروسية التى جذبت نظر (ساهر) لرشاقة قامتها التى صقلتها سنوات فن البالية … وتتعدد المغامرات من صفحة إلى صفحة فى الرواية ومن يوم إلى يوم أكثرها لا يتعدى مخيلة (ساهر) لكن بعضها ينتهى به إلى الفراش مثل طالبة الإنجليزية المعدومة (رشا) التى تبيع جسدها وتقتسم الربح مع سائق التاكسى … ولكن رشا لم تكن مجرد بائعة لذة فقد هزت جانبا من عاطفة (ساهر) لجمالها وصغر سنها وألمها ، فكيف يمكن أن يمنح اللذة للآخرين من يتألم؟
(منال) الزوجة الملاك التى هجرته وعائدة صاحبة الجسد الملتهب وأفكار الشؤم التى قد تعيده مرة أخرى إلى القلعة وناهد الأخت العاشقة التى لا تريد أن تضيع منها أخوة (ساهر) حتى وإن ضاع العشق ورشا اللذة التى تخلف الألم والندم … وغيرهم وجوه سبعة لمرأة واحدة لم يعثر عليها (ساهر) ، هذا الرجل العادى الذى قضى ألف يوم فى سجن أصغر يتصفح أوجه القمر السبعة ، فينسى سجنه .. ويغادره إلى سجن أكبر أقماره نساء من أنفسنا نبحث عنها خارج أنفسنا فيتسع السجن قدر اتساع الحلم …!
د. مهدى الجندوبى – أستاذ الإعلام
تونس
(مرفق غلاف الرواية فى صفحة رقم -3- )