هذا مقال عجيب مريب لا أدرى كيف هبط على الوحى حتى أكتبه! كنت أطالع عصر السبت فى
طقس رطيب يتراوح بين الصحو الإفتراضى ونسمات البرد العابرة بمذاق الأوسطى صحيفة المصرى
اليوم (29 فبراير 2020) فى مقهى (فلك) وهو مقهى ينتمى للزمن الجميل حيث أنه يحتل الطابق
الأرضى بمنزل عتيق فى حى جاردن سيتى الأنيق. وحين تداعب أذنيك أنغام الراحلة (داليدا) وهو
تشدو بأغنيتها الخالدة ( PAROLE ) أى (وعود فى الهواء) حيث كان يخدعها العشيق ويمنيها
بمعسول الكلام ولذيذ الأحلام.
عثرت على مقال للصحفى (محمد أمين) بعنوان ( الإنسان مجدى يعقوب) .. لم أطالع المقال
حيث أن وسائل الإعلام ورقية وسحائبية (أى رقمية) قد أمطرتنا بمقالات ومقابلات وروايات
ومناوشات ومحاورات تفوق ما يطيق معشر البشر. كان الطبيب المرموق قد حل ضيفا على
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم فى إمارة (دبى) وقدم له الشيخ الكريم دعما ماليا لمستشفى
حديث يقيمه الطبيب النابغة فى مصر على ضفاف وادى النيل. فجأة انبرى أحد الصالحين
بمقال فحواه أن الطبيب العبقرى الذى يضمد الجراح ويواسى المكلوم ويقرى الضيف ويعين
على نوائب الحق لن يلج الفردوس الأبدى؟
تخيل حجم المحنة وهول المأساة وفداحة الجرم .. بصراحة أسعدتنى الفتوى الفاتنة لأن موقع
الطبيب فى جنات عدن سيكون شاغرا وربما كان من نصيبى فلقد تجاوز عدد سكان كوكب
الآرض سبعة بلايين والزحام شديد. احتسيت الشاى الممزوج برقائق النعناع المنعش وتسللت
إلى مسامعى أغنية (those were the days ) أى (كانت أيام يا حبيبى).. صراحة هممت
أن اغتال الفتاة أو الصبى الذى بث تلك الأغانى الحزينة التى تفتت العظام وتبعث الأوهام.
فجأة تنبهت إلى حقيقة هامة وهى أن د. يعقوب قد لا يلج الفردوس وفقا للأمانى الشريرة .. لكن
ماذا لو أن القدر أتاح له ألا يدخل الجحيم وينجو من نار وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين.
فى الأدب الأغريقى العتيق حين يدفن الموتى يتم وضع درهم على عين المتوفى حتى يقدمها
لقائد القارب (النوتى) الذى سيبحر به من عالمنا الأرضى إلى العالم السرمدى. فى العالم الآخر
كما ورد فى ألواح بلوتارك وسفر هوميروس يقضى الراحل بقية عمره فى (البرزخ) أى مركز
تأهيل معزول مثل الحجر الصحى الذى نحجز فيه المسافرين الذين تبدو عليهم أعراض الفيروس
القاتل المعروف باسم التاج أو السلطانية.
إذن فقد نجا يعقوب من النار كما أنه لم يحصل على تصريح بدخول الفردوس حتى تقوم الساعة
وينصب الميزان وفقا لميثولوجيا إيزيس وأوزرويس وهاتور ونفتيس وتاريخ الطبرى. د. يعقوب
محظوظ لأن أعماله الطيبة تفوق عدة مرات وقوعه فى الأخطاء التى يقترفها البشر من سهو
ونسيان وغفلة وتوهان. أرجو للقراء الأعزاء وأنا أيضا ألا ننسى أن الخطيئة التى أكتسبها
أبانا (آدم) كانت أنه نسى التحذير بألا يقرب الشجرة المحظور تناول ثمارها. والنتيجة أن نسله
يناضل فى الفردوس الأرضى حتى يدفع درهمين لقائد القارب ويبلغ البرزخ فى انتظار محاكمة
عادلة بإذن الله.
د. يحي عبد القادر حسن / كاتب مصري